في الساعات الأخيرة من العام ٢٠١٣ وعلى مشارف الـ ٢٠١٤، أشكر كلّ من شارك معنا من خلال الانضمام إلى الصفحة والصلاة معنا والتعليق والإضافة الفكريّة والحسّ الروحي والخـُلقي. وأتمنى المزيد من حضور الرب في حياتنا والأقل من الشر ونتائجه في يوميّاتنا. فبعد البحث والتدقيق، لن تمرّ السنة الجديدة من دون أزمات أو لحظات مُرَّة، فخُبُرات السنين الماضية تؤكـّد على ذلك، رغم أن تمنياتنا تحلم بسلام شامل وعدالة إنسانيّة كونيّة والحدّ من الجوع والتهجير والفياضانات، ألخ... ولكن مع ذلك، يبقى انطباعنا وترجمتنا للأحداث هما المؤشّر الأكبر لإيجابيّة الحدث أو سلبيّته. إذ وبحسب إيماننا: "كلّ الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبّون الله، وهم مدعوون حسب قصده"، فالكلّ للخير كالدائقة الماديّة كما تغيير العمل، التعب الجسدي والنفسي، كما الاختلاف مع أشخاص، تغيير الظروف الحياتيّة، التهجير والهجرة، حتى الموت والابتعاد عن من نحب، يعملون لخير الإنسان الذي يضع الله في صدارة أولويّاته. لذا إنها ساعة وهي الآن، نعيد فيها حساباتنا وإنجازاتنا المنصرمة في عام ٢٠١٣.
مع مرور ذكرى ميلاد يسوع المسيح لهذا العام، هو الذي فصل التاريخ بمولده، وقرّر ولوج الوقت ليخلـّص من أضحى أسير الوقت بضعفه، ولكي يعطي حياتنا بُعْداً أبديّاً لكلّ من يؤمن به إلهاً ومخلصاً، نتذكـّر كيف قرّر الله أن يجعل الإنسان أولويّةً له، وأن يُعطي نفسه بالكامل بابنه ويصالحنا لنفسه بالمسيح. فيا هنانا بإله يحبّنا من دون شرط ومن دون حدود ويحترم حرّيتنا باختياره!
في يوم أصبح العالم فيه يتنافس على جعل مناسبة ميلاد المسيح "أعياد سعيدة" و"أيام مجيدة" من دون ذكر المسيح، وإلهاءنا بكلّ ما هو ظرفي، تجاري، استهلاكي. وإن ذُكرت الأمور الروحيّة والنفسيّة، إشْطـَرَتت الأغنيات والدعايات على إظهار التصرفات الحسنة عند الأطفال والكبار كي ما يحصلوا على الهدايا من Papa Noel/Santa Clause… يبقى الميلاد حدث صار من السماء باتجاه الأرض وليس العكس! بحيث أنّ أيّ تصرف جيّد أو عاطل، ما كان ليغيّر ولادة المسيح في التاريخ. بل أكثر من ذلك، لقد وُلد المسيح في ما بيننا لأننا خطاة وبحاجة إلى رحمة الله ("الكلّ قد أخطؤوا وأعوزهم مجد الله")، ليس لأننا أصحّاء وقدّيسين. ودعانا إلى التشبّه به، هو الكامل الذي "به كانت الحياة والحياة كانت نور الناس" يو ١: ١٣. وهنا أستذكر قول غاندي الذي قال: "أعطوني مسيحكم وخذوا مسيحيّتكم" لأنه لم يستطع أحد أن يجد ملامة على المسيح رغم محاولة الكثيرين. في وقت ما زال الكثيرون من المسيحيّين يُخفِقون في التشبّه به، ويفشلون في "الوصول إلى تلك الصورة عينها، إلى إنسان كامل… إلى قياس ملء قامة المسيح".
فمع ربّ أعطى حتى الموت، وجعلنا شغله الشاغل، والأولويّة المطلقة له، إنها ساعة وهي الآن، نعيد فيها حساباتنا وإنجازاتنا المنصرمة في عام ٢٠١٣.
من وما هي أولويّاتنا: هل العمل والمركز؟ هل العائلة والأطفال؟ هل الحبيب والصديق؟ هل المال والسلع؟ هل الألعاب الالكترونيّة والأفلام؟ هل الشرب والمخدرات والإباحيّة؟ هل الراحة النفسيّة والجسديّة؟ هل الأحلام والتمنيات؟ هل التنجيم والتبصير والأبراج؟ هل العالم الحقيقي الواقعي أم العالم الخيالي الذي يبرع العلم والعالم بتقديمه اليوم على طبق من الجاذبيّة المقنعة عبر كلّ الوسائل الإعلام المرئيّة والإنترنت والهواتف الذكيّة؟ نعم إنها بالطبع أولويّاتنا هي التي تحدّد ترجمتنا للحدث القادم!
"أطلبوا ملكوت الله وبرّه أوّلاً وكلّ الباقي يُزاد لكم"، هل الملكوت واقع أم خيال؟ هل تحقيقه حقيقة أم مجاز؟ هل من الممكن جعله أولويّة
أم هو كمال خيالي؟
قال الكاتب الإنكليزي شارلستون أن الحقيقة هي دائماً غريبة بالنسبة إلى الخيال، لأن الإنسان يصنع الخيال بما يتناسب معه أكثر من الواقع! واليوم نعيش في عالمٍ يمجّد الخيال والحياة المجازيّة أكثر من الواقع. فكم من بطل خلقنا في الألعاب الإلكترونيّة وكم من قصّة تبنـّينا أحداثها من فيلم شاهدناه، وكم صور نبثـّها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا تعكس واقعاً نعيشه، إنما نتمنى أن نحققه، وكم من لحظة نهدر من واقعنا الذي نعيشه، محاولين خلق وَهْمٍ في صفحة خياليّة على الانترنت لا نعيشها؟! إن العالم والعلم والسياسات يحاولون جزّنا في الخيال بينما يخطّطون لواقع مستقبلي لا قرار لنا فيه، فيما خلق الله "الإنسان يخطّ طريقه، والله يحدّد خطواته". دعونا لا نغلق قلوبنا للحقيقة، "فحيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك أيضاً" إن كان قلبنا ينعم بالحق، نتحرّر بالحق من كلّ مجاز أو خيال أو إدمان أو تبصّر أو أنانيّة أو أهداف مضلـّلة
إنّ من قال عن نفسه: أنا هو الطريق والحق والحياة"، وقيل عنه:" إن حرّركم المسيح فبالحقيقة تكونون أحراراً"، وهو الذي دخل التاريخ لنكسب به معركة التاريخ، يستطيع أن يغيّر قلوبنا ونجعله أولويّتنا بملىء حريّتنا وإرادتنا. لنجعله هو كنزنا، فتنبض به قلوبنا، نتشبّه به أكثر، فلا نحيا نحن بل هو يحيا فينا. حيث يكون كنزك… هناك أولويّتك… فاطلب ما هو فوق كي يُزاد لك أكثر ممّا تطلب أو تفتكر. كل عام ونحن في حكمة وإرادة الله لحياتنا
نزار فارس
No comments:
Post a Comment